أنجيلا ميركل في مذكرات الحرية: قيادة بين العقلانية والإنسانية - لاين نيوز

الخليج 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في كتابها «الحرية: مذكرات 1954-2021»، تقدم أنجيلا ميركل شهادة مؤثرة في مسيرة سياسية وحياتية استثنائية، تمتد لأكثر من 16 عاماً على رأس قيادة ألمانيا، فضلاً عن فترة طويلة من حياتها في ظل النظام الشيوعي في ألمانيا الشرقية. الكتاب، الذي كتبته بالتعاون مع مستشارتها السياسية بيآته بومان، لا يسرد فقط الوقائع السياسية والتاريخية، بل يقدّم سرداً متكاملاً يربط بين الأحداث الشخصية والمهنية التي شكّلت ملامح قائدة كانت رمزاً للثبات في وجه التحديات.
يبدأ الكتاب برحلة ميركل في ألمانيا الشرقية، حيث نشأت تحت نظام شيوعي صارم، عرفت فيه القيود على الحريات الفردية والعامة. كانت لهذه التجربة أثر كبير في تشكيل نظرتها إلى مفهوم «الحرية»، وهو المفهوم الذي يتردد صداه في معظم فصول الكتاب. تتحدث ميركل عن طفولتها المتواضعة وكيف ساعدتها هذه الظروف القاسية على تكوين شخصيتها العملية والصبورة، والتي أصبحت فيما بعد من السمات المميزة لأسلوب قيادتها.
مع سقوط جدار برلين عام 1989، بدأت حياة ميركل في اتخاذ مسار جديد تماماً. تخرجت في الفيزياء وكانت تعمل كخبيرة في هذا المجال، ولكن سقوط الجدار فتح أمامها آفاقاً جديدة في السياسة. يتناول الكتاب هذا التحول بعمق، حيث تشرح ميركل كيف استخدمت مهاراتها العلمية مثل التحليل المنهجي والتفكير النقدي، في التعامل مع القرارات السياسية المعقدة.
يتناول الكتاب بشكل مفصل كيفية تعامل ميركل مع أكبر الأزمات التي واجهتها خلال توليها منصب المستشارة. فخلال أزمة اليورو التي ضربت أوروبا في عام 2008، كانت ميركل في قلب المعركة لإنقاذ الاقتصاد الأوروبي من الانهيار. في هذا الجزء من الكتاب، توضح استراتيجياتها في بناء التوافقات بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وكيف استطاعت، من خلال الصبر والحنكة السياسية، الحفاظ على تماسك الاتحاد في ظل ضغوط هائلة.
وفي أزمة اللاجئين عام 2015، تبرز ميركل موقفها الأخلاقي القوي، عندما فتحت أبواب ألمانيا لاستقبال مئات الآلاف من اللاجئين الفارين من ويلات الحروب. تشرح في هذا الفصل تفاصيل اتخاذها لهذا القرار الذي أثار جدلاً كبيراً داخل وخارج ألمانيا، ولكنها تؤكد أن قيمها الإنسانية والأخلاقية كانت القوة الدافعة وراء هذا القرار.
من خلال فصول مذكراتها، تتطرق ميركل إلى علاقتها بالقادة العالميين، مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تقدم رؤى معمقة حول كيفية تعاملها مع هؤلاء القادة، وتبرز الفرق بين القيادة المبنية على التعددية والتعاون، والتي تمثلها ميركل، والقيادة المبنية على الفردية والمصالح الشخصية، التي لاحظتها في علاقاتها ببعض القادة العالميين.
في جوهر الكتاب، يأتي مفهوم «الحرية» كعنصر محوري. بالنسبة لميركل، الحرية ليست مجرد حالة سياسية، بل هي حالة ذهنية وشخصية تتطلب الالتزام بالتعلم المستمر والسعي لتجاوز الحدود الفردية. الحرية، كما تشرح ميركل، هي القدرة على اتخاذ قرارات حرة، ولكن أيضاً الاستعداد لتحمل مسؤولية هذه القرارات. هذا المفهوم يظهر جلياً في حياتها الشخصية والسياسية، حيث كانت توازن دائماً بين ما هو عملي وما هو إنساني.
أحد أبرز جوانب هذا الكتاب هو الطريقة التي تكشف بها ميركل عن شخصيتها الحقيقية كامرأة قوية، هادئة، ومتزنة، تؤمن بالقيم الإنسانية والديمقراطية. يختتم الكتاب بتفاصيل مغادرة ميركل للمسرح السياسي بعد أكثر من 16 عاماً من القيادة، لكنها تؤكد أن الحرية هي البوصلة التي ستوجّه حياتها الشخصية سواء في مسارها المهني كعالمة، أو كسياسية، أو حتى كفرد يتطلع دائماً إلى التعلم والنمو.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق